علم السرد
الملخص
يتناول البحث «علم السرد» في صورته أحد الموضوعات التي حظيت باهتمام كبير من نقاد الأدب ومنظريه. وقد بدأ هذا الاهتمام منذ بداية القرن العشرين, فكان أحد الموضوعات الرئيسة التي شُغِلَ بها الشكلانيون الروس. ولاسيما بعد اجتراح (رومان جاكبسون) مصطلح الشعرية، في خضم الحراك الذي قادته هذه الحركة لتأسيس علمٍ للأدب, يتم التمييز بموجبه بين العمل الأدبي من غيره من النشاطات المعرفية الأخرى، والحكم جمالياً وفنياً بموجب هذا العلم، في مسألة تحديد أدبية العمل الأدبي بناء على أسلوبه وبنائه الفني، لا على ما يقوله المبدع في عمله، كما كان سائداً في التعامل مع الإبداعات الفنية وفق المناهج النقدية التي ثاروا عليها.
لقد تمّ أُصِّلَ هذا العلم عن طريق الوقوف على الجهود الأولى لنشأته، كما في بحث فلاديمير بروب «مورفولوجيا الحكاية الشعبية» والذي تناول فيه عنصر القصّة وحبكتها في الحكايات الشعبية في التراث السلافي. وما تحدث عنه «توماشفسكي» فيما أسماه «المتن الحكائي» و«المبنى الحكائي» في العمل السردي. وما أفضت إليه هذه البدايات من آراء تمثلت بالنتاج النقدي للبنيوية الفرنسية بشقيها اللساني الدوسوسسيري والبنيوي الشكلاني.
كما تناول البحث مسألة التفريق بين النظرية السردية التي مجال عملها «السرديات» المعروفة بالسرديات الكبرى، كالدين والفلسفة والتاريخ والأساطير... وبين علم السرد الذي حُدّد في تعريف (جيرالد برنس)، بأنه العلم الذي لا يهتم بتاريخ مجموعة معينة من النصوص السردية.
وانطلاقاً من أن المادة التي اخضعها السرديون لدراسة علم السرد و بلورته هي المنجز السردي، فإن هذا العلم الذي هو في حال تطور دائم، لابد أن تتطور وتتغيّر بعض مفاهيمه ومصطلحاته وعناصره، وهذا تبعاً لتغيّر المنجز السردي مَنْ جهة، وتبعاً للمدخل المعرفي لمن يُنظّر لهذا العلم. فإذا كان منظرو الحداثة - ممثلين بالشكلانية الروسية والبنيوية الفرنسية - قد أنجزوا علم السرد الحداثياً، وصنفوا جهود من سبقهم من منظرين ونشاط نقدي ونظر بالنشاط السردي الكلاسيكي، فإنَّ موجة ما بعد الحداثة لا بد أن تنتج علم سرد ما بعد حداثي أيضاً. وهذا ما دفع ببعض منظري ما بعد الحداثة إلى وسم علم السرد الذي أنجزته المدرسة البنيوية بعلم السرد الكلاسيكي، وشرعوا بالتنظير لعلم السرد ما بعد الكلاسيكي. أو علم السرد الطبيعي، أو علم السرد المعرفي.